Wednesday 26 December 2012

صقور قريش السورية في حرب النجوم .. وعتاب قاس على زحل .... ‏بقلم: نارام سرجون‏


منذ عامين وخبراء التحاليل السياسية يطلون علينا من كل النوافذ ويحلون ضيوفا ثقلاء علينا رغما عنا ليحددوا لنا مواجع النظام السوري وموالاته وأن وضعهما يشبه ركاب طائرة وطاقمها وهم يواجهون توقف محركات طائرتهم في الجو وهي تطير طيرانا شراعيا فاما أن تتحطم أو أن تحط اضطراريا في أحد المطارات الاسلامية ليقودها ذوو اللحى .. ويؤكد المعرضون بثقة اليقين أنه لاتبدو النجاة من مصائر تونس وليبيا ومصر واليمن الا حلما مستحيلا وبأن علينا أن نختار احدى طرق السقوط على النموذج الليبي أو اليمني أو يمكننا أن نختار طريقة خاصة بنا لايشبهها شيء..
وقد كانت الأيام الأخيرة من عام 2012 في حياة الأزمة السورية تشبه صفحة "الحظ والنجوم" في المجلات والجرائد والتي فيها عبارات التطمين على المستقبل وبعض التحذيرات الملتبسة والبشائر لكلا الطرفين حيث تقول الأبراج لقرائها كلاما غامضا عن حب ينتظر ومال يسقط من السماء وعن عدو يتربص بك ويندم .. ولكن أظرف قراءات للنجوم والأفلاك هي تلك التي انخرط فيها السياسيون المشتغلون على تدمير الدولة الوطنية السورية وخلطوا "عبقريتهم" السياسية بنكهات رواسب القهوة وحب الهيل ونثروا عليها بعضا من غبار الأقمار والكواكب فأسقطوا النظام السوري في شباك عنكبوت العام 2012 .. وأخذونا الى نوافذ اليقين المطلة على الزمن لنرى زحلا يمر مع عطارد كثورين هائجين من ثيران الجحيم ويهرسان النظام السوري ..

حتى عطارد والزهرة صارا ثائرين وعضوين من أعضاء المجالس الثورية والائتلافات .. وقرر زحل أن يرمي بالحلقات الشهيرة المحيطة به كالأساور ويرتدي علم الثورة السورية ويجلس الى جانب القس جورج صبرة والنبي رياض الشقفة فيما أعلن المريخ والمشتري وعطارد انشقاقهم عن المجموعة الشمسية للالتحاق بالثورة .. وأمسك تيار المستقبل بمدارات الافلاك وخطوطها المنحنية والمقوسة ولعب بالكواكب كما يلعب بكرة السلة .. ورمى برأس النظام السوري في سلة عام 2012 ..

وتدافع المنجمون وشربت الكواكب جميعا من فناجين القهوة وأمسك الجميع بيد النظام لقراءة بخته حتى أن عطارد مد يده لقراء الحظ ليقرؤوا له حظه لشدة ماأظهروه من يقين في علوم الغيب .. وكل يريد ان يسبق الى نيل شرف اعلان سقوط النظام السوري الذي صار مثل نيزك بارد انتهت رحلته ..


سهرة رأس السنة الماضية لاتنسى حيث النبوءات شربت من ماء اليقين وتنشفت من انعكاس وهج ضوء الشمس على وجه زحل ووجه المشتري وخاصة في حديث الثورة الذي قدمه لنا عضو الكنيست الاسرائيلي عزمي بشارة (سفير اسرائيل في الدوحة) الذي استهل حرب النجوم علينا .. وكان عبارة عن بيان وخطة عمل لما بعد الأسد بعد أن قام عزمي بتفتيش العام الجديد تفتيشا دقيقا كما رجال المباحث الجنائية ..وأفرغ لنا جيوب العام 2012 من الأسرار والمفاتيح ووضعها لنا على الطاولة قبل أن ينثر محتويات حقائبه على الأرض وثيابه الداخلية .. وكاد عزمي بشارة (المكلف بمهمة تجسس على عقولنا وزرع الألغام فيها) أن يمسك بشاربيه الكبيرين ويقول: سأحلق شاربي ان لم يسقط النظام عام 2012 .. لكنه لم يفعل وتمالك نفسه في آخر لحظة لأن شاربيه عزيزان على قلبه كثيرا كما يبدو ..
 
وأعتقد أن الرجل هذا العام سيكون اكثر تعقلا- ان عاود قراءة فناجين القهوة وممارسة فن التبصير والتنجيم - ولن يقترب من شاربيه الكبيرين العزيزين على قلبه اللذين كاد يفقدهما في لحظة حماس واندفاع في حرب النجوم والكواكب ..
 


وأتوقع سهرة ممتعة في ليلة رأس السنة هذا العام .. لن تقل عن متعة العام الماضي وحكايا النيازك والشهب .. ولاأدري ماذا سيقول فيها ضباط حرب النجوم التائقون لالقاء الفراش في شباك العنكبوت والمستعدون .. لكنني سأبحث في وجوه المنجمين وقراء (سوء الطالع) وأحضر نفسي لأسمع الحكيم سمير جعجع وهو يعاتب زحلا بعنف ويجلد ظهر عطارد على خذلانه ويلوم الزهرة ويوبخها بعد أن حلف بدماء من قتلهم على الحواجز وبدم عمر كرامي وكل عمليات الاغتيال أنه سيحلق شاربيه ان لم يسقط النظام السوري عام 2012 ..
وأنه من الممكن أن يعود الشعر الى رأسه العاري (اثر عملية انشقاق واسعة) وأن يمتلك غرة وشعرا مسبسبا لكن من غير الممكن أن ينتهي عام 2012 دون أن يكون هناك حاكم جديد لقصر الشعب .. ودون أن تسقط غرة دمشق كما سقطت غرته..

صحيح أنني لاأقرأ الطالع ولم أحاول أن أنظر في خطوط الكف لأي أحد لكنني عندما كنت أستمع لما يقال من ترهات كنت أعرف أن تلك الموجات من المنجمين ستجعل السوريين يسألون السوريين عن معنى القلق والمعارضين يسألون المعارضين كل الأسئلة عن معنى الوهم...وعندما ترى الناس يقفون على النجوم أو يسافرون اليها في مركبات الجزيرة ورواد فضائها ومركبات المستقبل والعربية فعليك أن تبقى على الأرض ... فأمام النبوءة يصمت العقلاء وتشيح السيوف ببصرها الى البعيد في شرود واحتقار .. فالنبوءات لها عقول المجانين أو حلوم الأطفال ولها طعم ورق الجرائد الصفراء..

لاتقرؤوا الطالع ولاالنازل ولاتصعدوا مراكب الفضاء وتسافروا في رحلات الوهم بل تعالوا نتجول على الأرض ونعرف لماذا لم يسقط النظام السوري ولم تحرف دعوات المؤمنين وسجودهم الطويل الذي عفّر الجباه وجعل ركبهم كركبة البعير لم تحرف كوكبا واحدا عن مساره .. ولماذا يصر زحل وأورانوس والزهرة على القفز فوق قامة الرئيس الأسد العالية .. وقامات الشعب السوري رغم جيوش الايمان..وانحناء ظهور المؤمنين الراكعين .. وسجودهم الطويل في القاهرة ..وطول دعائهم على جبل عرفات ..

أنا شخصيا مذهول من حجم الرفض لهذه الثورة والصمود الذي يبديه السوريون على مختلف انتماءاتهم لأي احتمال للتخلي عن العناد الوطني المدهش .. تحدثت مع أناس فقراء وأناس لايعرفون الا الشقاء في البحث عن لقمة العيش .. وزرت بيوتا بائسة لجنود سوريين استشهدوا .. بيوت باردة في هذا الشتاء ومن غير كهرباء.. ليس فيها الا بعض الأثاث البائس والحصر والوسائد المتهالكة وكراسي القش .. ولكن من يسكنها يجعلها كناطحات السحاب في ارتفاعها .. وكجزر أوناسيس في اتساعها .. وترى الكرامة لأول مرة بشحمها ولحمها تجلس معك على كرسي أو تتكئ على الأرائك بل وتعمل بنفسها في اعداد كأس الشاي أو المتّة أو فنجان القهوة السورية حيث لاتقدم فناجين القهوة "العربية" وحيث لايوقد الغازولين النار ولاالمصابيح انما جمر المجامر .. قبل أن تسمع عبارة ينكمش لها جسمك:

يجب أن نصبر على هذه المحنة من أجل سورية .. سورية هي كل ماتبقى لدينا من حب .. ولكنها كل شيء.. وسنعطيها كل شيء

وتعتقد أن الفقراء هم وحدهم من يعاني ومن يدفع الثمن فتمرّ ببعض الموسرين من الطبقة الوسطى والتجارية الذين لم يعرفوا طعم المعاناة يوما .. وتفاجأ أن بيوتهم باردة أيضا بسبب نقص الوقود .. وأنهم صاروا يعرفون مذاق الطعام من غير خبز .. وتنام مصابيحهم من غير أن توقظها ومضات الكهرباء لأيام .. ومع هذا فانك تسمع نفس العبارة ذات الحنان والكبرياء التي سمعتها في بيوت الفقراء:

يجب أن نصبر على هذه المحنة من أجل سورية .. لم يبق لنا في هذه الدنيا الا سورية. . وسنعطيها كل شيء

تذكرت وأنا أسمع هؤلاء الناس حادثة عندما زرت يوما عائلة بريطانية ولفت نظري أن الأم وبّخت ابنتها على المائدة لأنها لم تأكل كل مافي الصحن من الطعام وعرفت منها أنها اكتسبت هذه العادة في عدم اهمال أي طعام من تجربة الحرب العالمية الثانية لأن والدتها (الجدة) وبسبب الشح الشديد للمواد الغذائية أثناء الحرب كانت ترغم أبناءها على تناول كل الطعام في الطبق لأن الوجبة الثانية قد لايتم تأمينها بسبب الحصار الألماني على السفن التجارية القادمة الى بريطانية حيث كانت سفن الألمان تغرق السفن التجارية المحملة بالغذاء .. ثم أرتني صورة شهيرة يعتز بها البريطانيون من زمن الحرب وهي صورة بائع الحليب الذي يحمل صندوق زجاجات الحليب ويسير فوق أنقاض البيوت المهدمة في لندن مبتسما مصمما على أن تستمر الحياة رغم الحرائق حوله ورجال الاطفاء والحصار .. وأرتني صورة لكومة هائلة من ملايين أوعية الطبخ المصنوعة من الألومنيوم المجموعة في الحقول والتي تخلى عنها الناس لصالح الصناعات العسكرية لاعادة صهرها لأن هياكل الطائرات المقاتلة كانت تصنع من تلك المواد لكن الحصار جعل صنع الطائرات صعبا في غياب الالومنيوم فيما كانت الطائرات الألمانية تغير بحرية على البواخر البريطانية ..فاستعمل البريطانيون أواني الفخار لطعامهم لتصنع أواني الالومنيوم هياكل الطائرات

انها روح من سينتصر كما قالت .. ومن يريد النصر عليه أن يدفع الثمن .. ولولا جوع الشعب أثناء الحرب لكانت بريطانيا الآن مجرد جزيرة مهزومة .. فيها قاعدة "عيديد" ألمانية قرب لندن وقاعدة سيلية يابانية مكان جامعة أوكسفورد .. وفيها أمير بليد بحجم حمد ووزنه .. وبدل دوقة كمبردج "كيت ماديلتون" أو أميرة ويلز الليدي دايانا .. موزة بنت مسند .. أو بالانكليزية (الليدي بانانا) ..والفرق كبير بين حضارة دايانا .. وحضارة بانانا ..وثوار الليدي بانانا ..

بالرغم من كل مايقال عن معاناة في سورية فان هناك نوعا من العدالة في توزيع المعاناة وان لم يكن في غاية الدقة والتساوي وهناك التحام من نوع ما بين طبقات المجتمع وذوبان في نزعة اللامبالاة واللااكتراث التي أنتجت بعض الأزمة وقيام المشاعر الوطنية من أنقاض الهموم وانتشار الفساد .. وأذكر هنا أن أحد الاعلاميين المصريين قال بأنه عندما زار سورية قبل الأزمة لاحظ بأن هناك نوعا من العدالة الاجتماعية تمثل في رغيف الخبز .. فالخبز الذي كان يقدم له في الفنادق الفخمة والمطاعم وفي البيوت على اختلاف انتماءاتها الطبقية والوظيفية خبز واحد وبنفس النوعية والسعر .. ولاينتمي رغيف الخبز الى أي طبقة والكل يأكل نفس نوع الرغيف على عكس الحال في مصر التي توجد فيها أنواع كثيرة من الخبز تتفاوت بين الرديء والممتاز .. فللخبز المصري طبقاته أيضا فما يؤكل في الأحياء الشعبية لايؤكل في المهندسين والمعادي اطلاقا..واليوم بدل أن ينصرف مرسي لاحضار رغيف الخبز الى قوس العدالة الاجتماعية ليحاكمه فهو منشغل بالدساتير وحروب الفتوح الاسلامية وحصار الوقود السوري في قناة السويس ليجعل من رغيف الخبز السوري رمز العدالة الاجتماعية لايؤكل الا بنفس نظام توزيع الرغيف المصري حسب الطبقات..

ولكن لماذا لايسقط النظام ويفضل الناس أن يصنعوا صمود ستالينغراد أو لينينعراد وسيأكلون حتى نشارة الخشب؟؟ ولماذا لايعبأ الشعب بأفلام الرعب التي تنتجها جبهة النصرة عمدا لارهابه ويصر على تحديها؟؟ ولماذا لاينشق الجيش على الجيش؟؟


فعندما كنت أسمع تحليلات المحللين وتصوراتهم ومحاولة فك شيفرة تماسك الجيش والشعب وهزال الانشقاقات كنت أعرف أن تلك الآراء تنظر الى مؤسسة الجيش من الخارج ولكن النظرة الفاحصة من الداخل تظهر شيئا لاتدركه عيون المحللين في الاستوديوهات وحركات أيديهم المنفعلة .. وبالطبع لايقدر عقل صفوت الزيات الصغير على تحمله أو استيعابه لأنه يرى في حمد قائده وملهمه و"راتبه" ومن كان حمد قائده العسكري لايقدر على اجراء الاستطلاع على جيوش الآخرين الا من على سنام البعير ..

سأروي لكم حادثة صغيرة قد تجيبكم وفيها من الدلائل الكثير .. وسيعرف المعارضون قبل الموالين سبب تماسك النظام وتماسك جيشه .. فقد سمعنا منذ الأيام الاولى عن شخصية قاسية القلب وبلا رحمة هي شخصية العميد ماهر الأسد وبأن فرقته الضاربة (الفرقة الرابعة) هي العمود الفقري لضرب الاحتجاجات والتمرد بعنف.. ولكن الجيش نفسه والفرقة الرابعة لم يشهدا انشقاقات ذات شأن رغم ضخ كم هائل من الكراهية والتحريض اللامحدود واختصار سورية باسم عائلة الأسد والترويج لحياة باذخة للرئيس وعائلته وأقاربه واختلاق الحديث عن انشغال الرئيس وزوجته بالتسوق رغم الأزمة..

فقد روى لي أحد ضباط الحرس الجمهوري وهو العميد (ش خ) حادثة منذ فترة ماقبل الأزمة فقال انه عندما كان برتبة مقدم اشتكى له الجنود والضباط من البرد القارس والقاسي الذي يضرب قطعاتهم في المرتفعات وهم يستعملون مواقد الحطب والفحم في مكاتبهم المؤقتة (براكات) وخيمهم فقرر التقدم بطلب الى قائده المباشر ماهر الأسد (وربما كان برتبة مقدم آنذاك) للتزود بمواقد وقود أو غاز لتدفئة الجنود والضباط بطريقة أفضل .. وحمل الاقتراح المكتوب باقتضاب وطلب مقابلة قائده المباشر في مكتبه ..وعندما دخل اليه وجده وقد وضع بجانبه موقد حطب صغيرا وهو يتابع قراءة أحد التقارير ويقرب يده الباردة من النار .. كان المكتب باردا ولايحس ببعض الدفء الا من يجلس بجوار موقد الحطب الصغير ..وعندما التفت اليه المقدم ماهر الأسد وسأله عن سبب طلب مقابلته تلكأ الرجل وبدا متلعثما وكان يمسك بالاقتراح المكتوب في يده فجعل يثنيه ويعجن الورقة بأصابعه ليخفيها لأنه أحس بالحرج من مطالبة القائد بطلب كهذا فيما القائد نفسه لم يخصص نفسه بمعاملة مميزة وتقاسم البرد وموقد الحطب مع جنوده .. وتذرع الرجل بأن سبب طلبه المقابلة كان شيئا آخر .. لكنه عاد ليحكي لجنوده وضباطه ماحدث معه .. وكان مانقله كافيا ليجعل الجنود يلتصقون بقائدهم ويؤمنون به أكثر ويقاتلون معه دون تردد ..

وهذا السلوك الانضباطي والسياسة المتبعة في تنمية عقيدة العسكري على روح تقاسم المسؤولية والمصير لم تتمكن كل الحرب الاعلامية والرشاوى وأكاذيب الجزيرة والعربية من هزيمتها أو أن تسبب اهتزازا في مؤسسة الجيش السوري والحرس الجمهوري .. حتى هذه اللحظة ..

والتجربة الانسانية واحدة فعندما يقدم حسن نصر الله ولده شهيدا ولايبادل جثته بشكل خاص الا ضمن صفقة تبادل تشمل جميع الشهداء فسيقاتل حزب الله وجمهور حزب الله .. كقلب الله.. ولن يزيل ذكره أطنان من الملوثات القرضاوية ولن تقضم جسده قوارض الاسلام الثوري..

ولكن مايحدث في صفوف المعارضة هو نقيض مذهل حيث يجلس كل المعارضين السوريين في كل الفنادق القطرية الفخمة وكل صالات الاستقبال الفرنسية والبريطانية والتركية .. وهناك أموال هائلة تنفق على قادة المعارضة وهم يتنقلون بالطائرات من عاصمة الى أخرى ومن منتجع الى آخر..وبعضهم صارت له استثمارات في عواصم العالم فيما ابناؤهم يتلقون تعليمهم في كل المدارس الغربية بهدوء ومعظمهم لديهم جنسيات غربية وهم لايفكرون بالعودة الى سورية ..أما مقاتلوهم على الأرض فيموتون وتتشرد عائلاتهم في المخيمات التركية والأردنية وتؤخذن كالسبايا الى جهاد النكاح .. ويتعرضن للحرائق والاذلال وحتى الاغتصاب .. فيما المقاتلون أنفسهم يعانون في المخابئ والأنفاق والملاجئ ..ويموتون كالذباب بالمئات في الغوطة وعلى حدود حلب وادلب ..


ولايوجد قائد واحد يجرؤ على البقاء بينهم في المناطق التي يعلنونها محررة .. وان أتى قائد واحد كل عام فانه يأتي بشكل خاطف وهو مقنّع وملثم وبنظارات شمسية لالتقاط صور تذكارية دعائية لكيد النظام قبل أن يطير بسرعة البرق الى فنادقه وصديقاته (راجع صورة برهان غليون عندما قيل انه تسلل الى ادلب متلثما وبنظارات شمسية كبيرة مثل مراهقي السعودية وزعران أمراء النفط قبل أن يعود الى مقاهي باريس) .. ولكن بقرة الثورة حلوب .. وموائدها بلا حدود .. خارج الحدود..
وهل نذكر القائد الميمون لكتيبة الفاروق عبد الرزاق طلاس بطل الثورة في حمص كيف كان يتدفأ ..؟؟ على حرارة الحب طبعا وعلى زفرات الحرة ميديا الداغستاني وزفراتها الحرّى .. والالتحام مع بقية الحرائر التحاما ثوريا .. ..

ولذلك حاول الاعلام الثوري والعربي النيل من أسطورة القيادة المميزة في الجيش السوري وحاول زعزعة الثقة بين الشعب والرئيس .. فبالرغم من أن الرئيس وكل أفراد عائلته لم يغادروا دمشق لحظة واحدة منذ سنتين - وهذا يقين - وقرروا البقاء مع الناس فان الاعلام وزعهم في أنحاء الأرض ليوحي للسوريين أنهم شعب تركه قادته وانصرفوا بأنانية الى عواصم العالم كما يفعل ملاك المزارع في فصول الشتاء العاتية ..

فمرة يقال ان زوجة الرئيس في لندن وأنه نفسه غادر دمشق الى اللاذقية .. بل ان شقيقته بشرى قد شوهدت مع أبنائها في الأمارات العربية رغم أن العاقل يرى أن آخر مكان يمكن أن تذهب اليه عائلة سورية بحجم عائلة الرئيس الأسد في هذه الظروف الأمنية هو الامارات لأنها مجال لنشاط معارض منذ زمن كما أن فيها نشاطا استخباريا غربيا واسرائيليا بلا حدود بدليل اغتيال محمود المبحوح الذي سرب خبر سفره عن طريق عملاء حماس في دمشق ..الى جهاز مخابرات عربي معروف بعلاقاته الاستخبارية باسرائيل..والموساد يسرح ويمرح في الخليج العربي المحتل دون استثناء .. ولاأبالغ ان قلت بأن عناصر الموساد آمنون في دول الخليج المحتل أكثر من أمنهم في قلب تل أبيب حيث يمكن أن يسقط صاروخ أو تقوم عملية تفجير.

. وجميعنا صرنا نعرف أن الرئيس وعائلته ليسوا في وارد الرفاهية ولا الانفصال عن أبناء الشعب ..بل ان عائلة الرئيس قدمت صهرها العماد آصف شوكت شهيدا ومزجت دمه بدم آلاف الشهداء ..فيما لم يقدم عضو سياسي معارض واحد شهيدا واحدا أو غامر بارسال ولده الى الداخل .. حتى العرعور يضم عائلته وافرادها ويخفيها خلف الأسوار ويرسل أبناء الناس بسخاء الى الموت ..

الحرب على لقمة العيش السورية المقترن بترويج رفاهية الموسرين والسياسيين وسفر عائلة الرئيس تريد اذلال الشعب السوري وتشتيت انتباهه .. لأن كل السيارات المفخخة وكل مسلسل الذبح وقطع الرؤوس وغسيل شوارعنا بالدم لم تجعل السوريين يؤمنون برياح الصحراء والرمال ولابأنفاس تركيا العفنة وهواء السلاجقة النتن .. ولم تنخلع قلوب الناس من رقصة الباتريوت على الحدود.. ولذلك يريد الثورجيون تجويع الشعب السوري وقتل عزة نفسه وكبريائه الذي قهر السيارات المفخخة وتريد بيع شرفه كما قال عقاب صقر بأنه يستر شرف صبايانا ونسائنا .. والمعروف أن أمراء الخليج مغرمون باذلال العرب ذوي الكبرياء .. اذلالهم في الوقوف على أبواب السفارات .. اذلالهم في عقود العمل .. اذلالهم في رزقهم ونسائهم ..

واليوم عندما فشل الحصار وعرف العرب أنهم لايطعموننا بل نأكل من بيادرنا.. وأننا لانشرب من واحاتهم بل من آبارنا .. وأن السوريين سيكون لهم ثروة الغاز في شواطئهم التي تغنيهم عن مال العرب والغرب؟؟ قرر العرب اذلال السوريين واغراقهم في الظلام وافراغ صوامعهم ..فبدل ضخ السلاح داخل الحدود صار الغذاء والقمح يضخان الى خارج الحدود .. ضخ السلاح الى الداخل لم ينفع .. فليضخ الخبز الى الخارج .. والخبز يجر معه الصمود .. ويجر معه الكرامة والكبرياء ..انه منطق الصحراء عندما لاتشرب الماء ويمتلئ بطنها بالزيت وهي تجتر المال من سلال أوبك .. فيصبح رأسها الكبير مليئا بالرمل فوق الرمل فوق الرمل ... وروث البعير ..فوق روث البعير .. فوق روث البعير..

في نبوءات هذا العام لاأدري كم سيؤتى بالكواكب اليكم لتكذب وتمثل مثل شهود العيان على اعلام العرب وتنسيقيات الثورة .. وكم ستغير المدارات مساراتها والأفلاك من نظامها الشمسي .. وكم ستسقط النجوم العالية .. وكم سترتفع الأبراج الثورية .. وكم سيؤتى بالأرقام والاحصاءات لترقص لكم الفالص رغما عنها .. وكم سيؤتى بقراء الطالع والنازل والكف والحافر والقهوة والشاي والنفط والديزل والغاز .. وكم سيثرثر قراء فناجين البول وقراء فناجين الدم .. وكم سيقطف لكم رواد فضاء الجزيرة من النجوم والأقمار ..

لكن من يقرأ الطالع لنا عليه أن يعرف أننا شعب قد نجوع وقد نبرد .. وقد نموت .. لكن لايقبل السوري أن يتدفأ جسده وتبرد روحه وتموت في صقيع العقل الديني الوهابي .. وأن يشرب جسده الماء فيما روحه تشرب الذل والنفط ..وأن يتحول الى قطيع من الابل الصحراوية التي تتبع أمراء الظلام وملوك الجاهلية ..وأن يملأ رئتيه بالرمل وعقله بروث البعير..
السوري يعرف أنه ان تراخى ولحق فخ الجوع ونظر الى رغيف الخبز خارج الحدود فان سورية ستتشظى .. وأن بناته سيرتدين النقاب الأسود ويمنعن من الذهاب الى المدرسة .. وأن الوليد بن عبد الملك سيصبح أجيرا عند جمال باشا السفاح ليغسل رجليه .. وأن القضاة سيكونون من باكستان وأن الجلادين من جبهة النصرة .. وأن جهاز المخابرات في بلده سيشرف عليه ضباط وهابيون من خارج الحدود يكتبون بالسيف على الأعناق .. وأن السياح الاسرائيليين سيملؤون سوق الحميدية والجامع الأموي وسيتوقفون ليتلذذوا بتلميع أحذيتهم في ساحة الأمويين قبل أن يتناولوا بوظة بكداش ثم صحن الحمص الشامي الشهير والفتة الشامية في أحد الأحياء الدمشقية العتيقة كما يعبرون بوقاحة في صفحات الفيسبوك هذه الأيام وبكل ثقة ..

والسوري الذي صنع أسطورة الأندلس غربا ورحلة صقر قريش الشهيرة الى مملكته الأندلسية قد يقاتل ألف عام لكنه لايقبل أن يعود يوما واحدا ليكون واحدا من رعايا بني عثمان .. ولن يقبل أن يحكمه عقل وهابي ساعة واحدة يحيله ويحيل أبناءه الى بهيمة .. ولن يقبل أن يمر اسرائيلي دقيقة واحدة في مطار دمشق .. وسيقول ولو بعد ألف سنة:
سنصبر على المحنة ..فليس لنا في هذه الدنيا الا سورية .. وماذا يساوي العالم من غير سورية وشعب سورية الواحد.. اننا من أرسل صقر قريش الى العالم ..انه صقر واحد صنع الأندلس ..فمابالكم بملايين الصقور .. في عش الصقور .. وماذا الكواكب السيارة ونجوم الحظ فاعلة عندما تمر بعش الصقور؟؟

النجوم التي تمر بالصقور ستنحني للصقور .. فصقور عبد الرحمن الداخل أقوى من النجوم .. كما سيعترف المنجمون السياسيون قراء الطالع.. ونجوم المستقبل والجزيرة .. وكل أصحاب بيت العنكبوت ..
 
River to Sea Uprooted Palestinian
The views expressed in this article are the sole responsibility of the author and do not necessarily reflect those of this Blog!

No comments: